ضاقت الأرض علينا .. ولكن
ضاقت علينا الأرض بما رحبت .. فاينما حططنا الرحال فالأرض قلقة والسماء غضبة، واينما ولينا وجوهنا، فحولنا وجوه مشدودة بشهادة زور تدعى انها لامبالية، وعيونها برود متكلف تتهم من لا يجيد اصطناع هذا الادعاء ان الحزن الذي يحتل كل مساحة الوجه لا مبرر له والتشاؤم الذي يعسكر في لهجته مع أبسط كلام يقال .. تطرف .. لِم كل هذا الحزن؟ لم كل هذاالتشاؤم سئلت .. فاعترفت انني منهؤلاء . نعم اننيلكذلك ، ولا حيلة بيدي ، وبنفسيازجر نفسي ، وبنفسي اترجى لو تنبثقمسحة جمال أو ومضة فرح في الصورةالبائسة التي تحاصرني ، فاتسمرامامها مكسورة الفؤاد . مصلوبةالنظرات ، مصادرة الحركة. الصورة معلقة على جدران كلالدروب التي اصبحت معتمة باردةصورة لفنان رسمها بذكاء دون شك ،ولكن بذكاء شيطاني ، استلبها روحالوجود فشوهها، طمس فيهاالحقيقة فزورها .. فرغ الدرة منمحارتها وسحقها بقسوة امام نورالشمس الفزعة على مرآى السماءالمكفهرة ، وفوق بقعة ارض مسكينة ،فلا يسع الناظر اليها إلا أن يتقلصوجهه والا ان يدفن رأسه بكل ما يعملفيه بعمق كتفيه كانه يتقي سماعصوت صرير سحقها المدوي الذييشبه صرير باب سجن يفتح للمرةالأخيرة عن وجه متقلص لسجينمحكوم بالاعدام. قلة هي تلك القلوب المنتشية بلاسبب ، التي لا تلقي بالا لمثل هذهالصورة ، والتي هي حقيقية رغمبشاعتها ، ولكن القلوب البشريةتتمزق جزعاً والماً ، تحاول تفريغ كلذلك من اعماقها باضعف الايمانفتصبه غضباً على ورق فلا يحظى الابعيون كليلة ، أو ثورة في آذان قدنسيت مهمتها الاساسية ومهما تكررتنوبات انسكابه لا مجيب ولا مجير، البعد المسافة بين الجميع أو يعزيها انالتعبير خانه عن توصيل حجمالمعاناه وفي قرارة قلبه هو يتفهم ،ويعرف ، لذا يستبد به شقاؤه ويزدادالعذاب. وحدها تلك القلوب تستشعرهالأنها وحدها تتحسس مواطن المعاركوتذوق طعمها المرّ، وتلامس الندوبتارة وتارة مع نبض الوجدان فتلتحملما مع معاناتها وتصيح وحدهاالمجرى والمصب .. وتشهد على بزوغ عصر جديد ، عصر انكسارالقاعدة الثابتة طوال اجيال (انالخط المستقيم اقصر الطرق». بدا رفض هذا التبرير واضحاً فيعيون ترمقني باحساس متناهٍ بأسى -من بين كل العيون الفزعة التيتحاصرني - من تشاؤمي كانما اناانعي اواخر الأيام ، تحدق بي تلكالعيون المحببة متسائلة عن معنىلهذا النضوب الروحي كما تسميه ،مع انها قد حاولت ذات مرة اختراقمجال اسلاكي الشائكة بمهمة رسميةلتداوي عذابي وتحيّ واحة مصرةعلى وجودها باعماقي. كنت قد تابعت وباستسلام تاممحاولاتها منذ ان بدات تتامل لوحتيبتعمق الى ان امسكت بفرشاتهاومزحت الوانها ومعاجينها،واستحدثت الواناً غاية في الروعةتنبض بهجة وشاعرية حتى رأيتهاتتردد ثم تحجم ثم تتناسى ، فتركتنيمعلقة .. اتمنى .. احلم .. لواستطاعت تنفيذ ما ارادت .. آه .. لواستطاعت. احببتها على نظراتها بانني كم كنتبانتظار نتائجها بلهفة ، وكم كنتمستعدة ان اتناسى خوفي من تكرارقصة ذلك الجمل الذي حاولوا تعليمهكيف يمشي فرحاً فخوراً ففشل ونسيمشيته القديمة وكم .. وكم .. وها انااسائلها .. من ياترى قطع احبال الوصال بيني وبين دنياي، وأي ايدقاسية دفعتني ذات مرة بعيدة عنالمرسى، في زورق تعيس، فبقي يهددني مع تمايله الاهوج إن يقذف بي للاقرار الى ان فعل. من ياترى يستطيع ان يحررني منزنزانتي معذبتي هذه الأنا اويصالحني عليها حتى لا تعكر صفوي وانعم كغيري بايامي التي تقدم لي أفضل ما عندها فلا اعود اتلقى بتلكالطريقة المبتورة .. من ياترى يستطيع ان يزيلالعوائق الضبابية التي كثيراً ماكلمتني عنها يانفسي ليعود لي تواصليمع الأيام .. مع الناس واسترد ماضاع مني في رحمة الحياة.. ايتها العيون المحبة المتهمة لي لوانك استطعت تنفيذ ما اردت لادركتان نبتة الصبار البادية للعيان داميةالشوك، هي في حقيقتها لهفي لمنيغامر ويقتحم عمقها الموجعالصعب ، لهفي ان يلوين شىء ماياسها بنبض رجاء ويخالط حزنهابعض الفرح . لعرفت انني لستوممتفوقة على نفسي شغوفة بها مشغولةبرضاها بقدر ما انا غارقة في تفاصيلدنيا غيري وليست معاناتي مننضوبي الروحي بقدرما هي من توهجالحياة في ، وانني متشائمة باسلةابحث بجدية اكثر من اي انسان آخرعن الحب ، ليقيني انه لا شىء سواهيملك القدرة على اعادة توازن الحياة ،اريده كسيل عارم يحمل السلاموالأمان ويجرف معه كل الأحزان.
لرايت كيف يرقد جمال الدنيا في عيني مشروخاً لإحساسي بمدى التشويه الذي شطر وجهها وفصل ارضها عن سماها .. ولاحسست بعمق معاناتي لاجتياز تجربة رائدة رائعة ، ادركت بعدها معنى ان تشف روح وتسمو نفس ، وتخرج من كرنفال الدنيا بالزي الحقيقي والحجم .الحقيقي وتمارس مهامها الحقيقية بانتظار الحقيقة الحقة .. وكل ذلك يعني الكثير .. الكثير .. يعني العيش حالة انسانية نادرة . يعني مقاومة حالات الأنا المتعددة الوجوه المتعددة الأهواء في اعماق الذات ، ومقاومة الدائرة المفرغة التي تدور بنا وندور بها خارج اسوار النفس فيتصارع دوماً عيشَها وجدها، صبرها وحزنها ، حزنها وتشاؤمها. فليس من السهل ان تعبر وحدك بحرا متجانسا ، ان تخوض غماره بلا خسائر ، بلا خوف السقوط صريع الخذلان وتخسر معنى الوجود مع انك كنت تريد شان كل الطموحين الابداع والتفوق. لا تجزعي ايتها العيون المحدقة بي في ذهول فكلنا بالهم سواء مهما تعددت واختلفت البيئات والثقافات والاستعداد الشخصي لا نرى ثمة ما يدعونا للتفاؤل والفرح فالنفوس غدت غابات شائكة التفت حول ارواحنا الحريرية وهيهات هيهات ان نستطيع تخليصها دون تمزيقها وادماءها. ارى كل العيون تموج بالأسى ، تفيض بالدمع ترخي اهدابها استسلاما يكسو وجوهها استياء وكلها عواطف وقتية شكلية سرعان مايه تزول عندما يلف كل المشاعر الجمود.