من وحى أجواء رمضان المبارك
نفحة خيرة من نفحات الله تدق ابواب النفوس اللاهية هذه الأيام الفضيلة، فلنتعرض لها ولنرشف من رحيقها البلسم الذي فيه الدواء والشفاء ، فنتخلص قليلا من ادران الحياة التى انغمسنا فيها قسرا حينا وبإرادتنا اكثر الأحيان، لنرتقي بحاجاتنا واحاسيسنا فيتجدد نور قلوبنا وتسمو ارواحنا وتتناغم ملكاتنا فتشملنا ظلال الرحمن ، ونتفيا بحب، بقبول تام، لأنه الفطرة والسجيه، عندها نسمع نفوسنا تنادي بدنيا الله الواسعة الرحبة وتسعى جاهدة لفك عرى ذاك الالتحام اللامجدي لهذه الدنيا المتعبة الفانية .
ان النفس التي يتحكم بها عقل وثاب هى خلاصة اتحاد روح من سر الله متعالية سامية وجسد هو سر المادة الدنيا ، روح ترفعت وارتفعت لتبلغ المدى وجسد ملتصق بالعدم الذي هو منه ، واى اختلال او حجب لانطلاقة العقل تعاني النفس انشطارا قاسيا، وتنافرا، وكلما كبرت النفس تعب صاحبها اكثر وتساءل اكثر ومن ثم عرف اكثر .
يا ايها الانسان المتجادل الحائر دع نفسك على سجيتها على فطرتها لتعرف ماذا تريد وتهتدي ولا تدع بحثها يطول .. لأن ما تبحث عنه ليس هو من موجودات دنيانا هذه المحدودة المعطيات، انها تبحث عن طريق السلامة والأمان طريق الخير والكمال والجمال وهذا لعمري طريق الله فارکب قطار الایمان بقلب وذهن و روح خالية من ادني شك او ارتياب.
والا لو كان البحث عن انسان فهاهي الناس تتلاقى وتثبت ان ما اصغر الدنيا ، لو كان البحث عن جاه او مال فما سبب تعاسة اصحابها ، لو كان البحث عن مكان او كان القلب متعلقا بزمان ، لو كنت تهفو لعلم او لتحقيق حلم او عن امنية في البال لوجدت الف طريق وطريقة لبلوغ تلك الغايات .. فتفكر.
اراك ايها الحائر واحس بك وكما يعرف المرء نفسه اعرفك انك تشكو من فراغ بالقلب واضمحلال في الروح ، انك تاخذ الكثير من الحياة وتضيع الكثير ولكنك ابدا في سباق .. ابدا في نقاش عن معنى الحياة وقيمة ذاك الوجود.
تذكر وترفق بالقلب بالمشاعريا من ترى الحياة نظرة فإبتسامة فلقاء ، او لقمة .. هدف .. فمسكن ، او ثروة .. جاها .. فذرية ((مهلا)) لا تهدر القيمة الكبيرة للحياه باللهاث خلف تلك الهنات انها ضرورة ولكنها ليست كل شىء واحسن شىء .
لكل منا في هذه الحياه طريقه وخياراته واسلوبه ولكن الهدف من الوجود واحد ، وقد يصل الفرد منا بالفطرة ، وقد يعوزه علم وقد يدله الهام سماوي يتفجر فجاة في اعماقه ، وعندها يدرك ان هذا العالم المحسوس المادي بكل ما به لا يستحق كل ذلك التفاني ويبدأ يتعرف على العالم الجديد الباهر ويدرك قيمة وجوده ويملك القدرة والحافز ليستمر في تصعيد تلك القيمة العظيمة وتفخيمها فيعرف انها من الله واليه.
ومضات ربانية بلا ميعاد نعيشها وبلا استئذان تذهب ولكنها تتركنا ننعم باحساس مفعم ممتلىء باغلى انواع السعادة .. هدوء مريح ، واتصال مع الله متين فتحمل العيون اليقين بما رأت ونعمة الروح سمت والعقل وثب وكل الجوارح سمت وسجدت وهدات لأنها تمارس ما خلقت من اجله بسلام بين يدي الرحمن.
لعل عقل صحا من غفلة، واخذ مكانه القيادي الطبيعي وناقش الأمور بتدبر ، فيبذل كل المحاولات ليمد العيون للسمو بمادة وقتية ستصبح جبفة ذات يوم اكراما للروح.
ماذا لو انتزعه من ارضه البور والقى بأرض خصبة معطاء ، وجادت النفس بربيع خصب محملة باللون الأخضر لون الحياه لون دم الحياه لون الأمل والمنى ، ماذا لو طرحت وتذوقنا حلاوة ذاك الثمر الذي حملته شجرة كانت عقيما واطعمنا من ثمار النذور تلك كل من كبل بأغلال اليأس والقنوط . ستحمل تلك الثمار النضاره للوجوه فتفرح بها والبشر لكل العيون فينثر على المدى .
سنرى الدنيا عند ذلك بلا فواصل او حواجز او قيود .. سننطلق ونهيم كفراشة ملونة صادقة الاحاسيس ترسم على الشفاه ابتسامة النعيم ، فقط على اى منا ان يريد بالحاح تذوق حلاوة الايمان الحقيقي ، وليعمل.