للقضية .. وجهها الآخر
في المرافعة السابعة للكاتبة الزميلة اعتدال البكري طرحت قضية ضرب الزوج زوجته للمناقشة، لا استطيع ان أصف الشعور الذي تملكني إثر قراءتي للمقال شيء مثل صاعقة أهاجت اعصابي شاني في كل أمر من أمور حياتنا المقلوبة المعادية للحق والعدل ثم قلبت الامور بهدوء في فكري وعدت الى جذور المشكلة، ووجدتني الوم نفسي إذ كيف أصعق من مثل تلك القضية إذا كانت المرأة - وهي أساس القضية - غير معترف بها ومقيمة أصلا على أساس اختلال انساني. كيف تثور في نفسي بوادر غضب والمرأة كلها مازالت موضع جدل عقيم إن كانت انسانا أو دون ذلك؟ وإن كان من حقها أن تقول ها أنا ذا أم تستمر بالاختفاء خلفه ؟ إنها أحجية مثل أحجية الدجاجة والبيضة.
قد استمع لمثل ذاك التصرف الأهوج فأتقبله على أساس ان فاعله انسان غير سوي فالسوي إذا ما أراد أن يقوم بعمل ما يقلبه في فكره جيداً قبل الاقدام عليه، يعرف مبرراته وأهدافه ويحسب بتخوف النتائج . مقدراً انت لكل فعل رد فعل.
المصيبة عظيمة أن يكون السبب مجرد انه مستفز منها أو من غيرها. فهل مسموح لها أن استفزها هو أو غيرها أن تتدنى لدرجة ان تقوم بالعمل نفسه ؟ والمصيبة أعظم أن يكون الهدف إعادة صياغتها بحيث تتلاءم مع سلوكياته وظروفه وطريقة حياته. أثبتت تجارب الحياة أن كل من يحبنا إبتداء من الأم والأب مروراً بالزوج أو الزوجة حتى الأولاد في آخر المطاف يحاول تغييرنا ويدفعنا دفعا دون هوادة لنفعل ما يراه صوابا بقليل من التفكير نجد ان هذه العملية ليست أكثر من حماية للنفس بطريقة سلبية قد تضر أكثر مما تفيد.
الزوج الذي يعتبر نفسه راعيا لقطيع عليه أن يحذر الذئاب. فقد يغفل ذات لحظة فتتسلل وتشتت قطيعه. قد تدخل من ثغرة صغيرة ضاقت على شعاع شمس. تأتيه بأشكال مختلفة، خفية وخطرة، فتارة تكون كراهية لامتناهية تقلب الموازين أو تفقده الاحترام من حيث أراد ان يعززه قد تأتي تارة أخرى على شكل ثورة مكبوتة أو معلنة شعارها على وعلى اعدائي، حين تنقلب الشاة إلى وحش كاسر خاسر امام من رفض الأسلوب المتحضر وجعل عضلاته وسيلته الوحيدة للتفاهم.
الهدف من الضرب ليس أكثر من وسيلة ساذجة عند من فقد المنطق والتفكير السليم لحماية النفس من شعورها بخوف يتهددها الخوف من الفقدان مثال ، والخوف من التغيير مثال آخر فتكون النتيجة فقدان الذات وتميزها فيصبح كل منهما انسانا آخر لا يمت لذلك الانسان الذي أحبه وتزوجه عن طيب خاطر بصلة. الفوز بالسيطرة حتى الوصول الى التهديد والاذى بالغ الخطورة فاستسلام المرأة لا يعني خنوعاً بل شيء من إنكار الذات يبقى مهما طال أمده حلا مؤقتاً لأنه ظالم وجائر.
إن نظام السيادة المطلقة لأحد الزوجين بات مرفوضا بل ومستهجنا بعد كل التغييرات التي طرأت على الحياة بشكلها العام وعلى الحياة الاجتماعية بشكل خاص فكثيراً من البيوت وقد وضع أصحابها هذا التغيير موضع الاعتبار بدأ الحوار بينهم يحل محل وسائل التفاهم السابقة كالتهديد من قبل الرجل فترد بخلق الكثير من المتاعب لارهاقه.
إن استسلام المرأة في الماضي يختلف عنه الآن في الماضي كان خضوعاً متناغما مع شعورها الداخلي بعجزها المطلق - بغض النظر عن نتائج تلك السلبية - كانت بقرارة نفسها مقتنعة لا تشعر بأي غضاضة بل أن كثيرا من الأمثال الشعبية القديمة تؤكد انها كانت ترحب بالضرب وتحرضه عليه. أما إذا كان شيء من ذلك مازال سائدا في بعض البيوت فلا يعني بحال ان أي امرأة مهما كان حظها من الوعي أو الثقافة مازالت على تلك القناعة. فإذا وضعت بين خيارات جائرة ولم تستطع أن تقترح الحل البديل يغمرها شعور بالكآبة والضالة. كثير من النساء المسحوقات مريضات نفسيا كتعبير سلبي عن رفضهن حياة تهدر فيها كرامتهن سواء أخطان أم أصبن . إن مواجهة المشاكل لا تتم باللجوء إلى محاولة حماية النفس مع وجود ما هو أجدى كمحاولة التعلم من المواقف والوصول الى كل ما يرضي الطرف الآخر. إنها دعوة لاستعادة الود المفقود وهدم الاسوار التي يحتمي كل منهما خلفها والدخول إلى عالم الشريك الآخر فالصراع ذاته دليل صحي أساسي وطبيعي في كل علاقة انسانية. فكيف وتلك العلاقة أبدية وحصادها انسان جديد، نحبة أكثر منا.