رأيت وسمعت
قال الراوى ولم يبدأ قصته كالعادة بقوله حدث ذات يوم بل .. حدث .. كل مرة ان تجتمع مجموعة من الناس فى جلسة او سهرة او وليمة حول هوة حقيقية تزداد اتساعا كلما طالت الجلسة ، وما يجمع بينهم الا الرغبة الاكيدة لقتل وقت بين ايديهم يؤرقهم .. متسائلا ماذا ستفعلون بى.
كل منهم فشل فى الاجابة على السؤال مع انه يعتقد انه وحده الفذ ذو النصيب الاكبر من العقل والحكمة مزهوا بنفسه ، يحيطها بسياج تلو السياج من مفاهيم ومبادىء وقيم ، هو وحده صانعها بحيث تساير ظروفه !
قال الراوى وقد نصب نفسه مراقبا من بعيد ... حيث يرى بشكل ابعد وأشمل وادق اغلب الاحيان: هاهم ، وقد التئم شملهم ، بوجودهم العينى لقد بدأوا يتناوشون الاحاديث .. والاحرى ان نقل يتناهشونها لانها ابدا بين شد وجذب،.
الآن .. أفكار مرتبة منسقة ومهياة تطرح .. نجدها بين صد ورد . هناك من يؤيدها بحماس أو بلا حماس، وهناك من يدحضها ولو كانت بديهيات فكل ما يريده ان يقف ضدها كى يتفلسف ويتحذلق .. وقد يصل لنفس المعنى باسلوب آخر .. لم لا أو ليس مثقفا؟ !.. وربما توثب أحدهم - وهو ليس بالعير ولا بالنفير - وطرح فكرة تناهض الاولى .. خاطئة أو صحيحة. لا يعرف .. المهم ان يدلى بدلوه.
ها هى افكار فجة تولد فجاة بنفس اللحظة تفرض وجودها على الحاضرين لا يقولها صاحبها بل يصفع بها الوجوه ، ضحكات ترن تؤذى السمع كانها الحشرجة لنكات قد تكون معادة ، تقال بلا حرارة ، وتسمع بلا حماس . ارى على الوجوه ردات فعل تتفاوت حسب مكانة المتكلم ان كان من الواجب تملقه فيها ونعمت ، والا فهناك الكثيرون عندهم مثل فكرته او نكاته جاهزة لتولد وتطلق.
واضح جدا ان تباين الافكار واختلاف الامزجة قد مزق الجلسة واحالها حلبة صراع ، نرى حقائق تدفن أو تشوه ، واكاذيب تروج ، والهمز واللمز والعياذ بالله يتسلطن، كل شىء هناك .. والجو يؤكد ان الصدأ قد طال المعادن جميعها حتى التى لا تتأكسد او ان سوق الزرع هزلت وضعفت فانفصلت عن الجذور.
يعبون الطعام والشراب بنهم غريب ويحرقون السجائر التى تحيل الجو لسحب دخان خانق وكان الدنيا وكل متاعها بين ايديهم ..
حالة واحدة تجمع شتات هؤلاء الموتى وتتفتق اذهانهم وتشحذ عقولهم .. عندما يبرز على الساحة من يقوّل ((ربى الله) يجد نفسه وقد اصيح مصبا لبحار من الاسئلة المتماوجة والمتلاحقة .. كيف .. ومتى واين ولماذا ؟ ..
والادهى والامر انهم لا يريدون الجواب .. يسألون ويجيبون وبين اكاذيبهم والحقائق بعد السماء عن الارض واخيرا ينهون الحديث معه بالاستهزاء قائلين ايها الدرويش ثم ماذا ..
يصدون اى باب يحاول صاحب منطق وحجة الدخول منه مكتفين بما يعرفونه مع انه شتات يؤكد تدانيهم حدا من التعطل الفكرى والحواسى لا يوصف أهولاء هم المضللون اذن ... ؟
قال الراوى كنت بدورى اتفرج استهجن واستحسن هرج ومرج فى الوداع كما حصل عند اللقاء هذه تقبل تلك مع انها كانت قبل قليل تجلدها بلسانها لجارتها واخر يشد مودعا بحرارة على يد من كان يقول عنه قبل ثوان انه لا يستحق ما نال .. والذى لم استطع ادراكه كيف يتصنعون هذا الجو المتكلف المزيف .. واتمنى لو اعرف كيف يفرغون انفسهم من اسمى ما فى الانسان ليكونوا بهذه الصورة البشعة .. وباى شىء يشحنون انفسهم ليعوضوا ذاك التفريغ ويبدون بهذا الصلف والكبر والعنت اليس هذا هو منتهى الضعف والافلاس؟ وترى اذا فشلت نفس ان تحب الله كيف لا تخافه اليس هذا هو منتهى الغى.
قال الراوى بعد ذاك الذى رأيت وسمعت هرعت استذكر الكثير مما قرات لانعم بجو ساد فيه الفكر مدة ويطمئننى بانه لابد سيسود مرة اخرى .