بالروح .. بالدم .. ترنيمة عشاق الأرض
وتستمر الملحمة الشعرية الحقيقية الرائعة .. في العزف .. في النزف وفي تقديم القرابين . تكافح كفاحاً بطولياً ملحمياً يعيد للحياة معناها : الحقيقي . يعيد النبض لعروق القلوب المحزونة ، والاطمئنان الهارب من الوجوه يعيد الينا نفوسنا المتشردة ، يعيدها من غربتها ، فتشردها الطويل كان ثمناً باهظاً لاستمرارية عيش مهين.
وتستمر .. بكل عنفوانها ومجدها. وتزداد ترنيماتها الشجية صخباً ودوياً بالدم ... نفديك يا فلسطين تقولها العيون بنظراتها المتحدية تقولها الشفاه بصرير هتافها المدوي . وتقولها أصابع مرتفعه بإشارة النصر الاجنبية ليفهم اصحاب الوجوه الكالحة في القاصي الدنيا اصرارنا عليه ، وتقولها الأيدي المحملة بالحجارة السلاح الوحيد المتاح. في زمن حضارة متعفنة متفننة باختراع اعتي وسائل الدمار للاعتداء للافناء المزيد من البغي على رقاب العباد.
ولكن .. من يستطيع ان ينكر أن الجميع خارج الدائرة المحترقة بالنار المضاءة بنور الفداء .. مجرد متفرجين من ينكر أن أيامنا مازال فيها متسع للرفاهية والممارسة الهوايات والنوم الهانيء ، من ينكر ان الشعور الذي يعترينا هو ومضات سرعان ما تختفي .
الرأي العام العالمي .. رأي اصحاب القرار المتشدقين بالحرية والإخاء والمساواه المنادين بحق تقرير المصير شعورهم متبلد غير محدد ، غير مفهوم، تمارس التحريفات والتلاعب بالأقوال . نسمع احدهم على منبر هناك وصفاً للانتفاضة بانها عجل ثوري مشروع يقوم به اصحاب حق ينتهك يومياً ، وقبل ان نتعشم خيراً نسمع المنبر من مسؤول آخر الانتفاضة المباركة اضطرابات من يسمى بقوم بها عصاة ارهابيون بلا مبرر سوى اثارة الشغب فترسل المزيد من الاسلحة المتطورة لقمع الشغب . متناسين تواضع امكانيات المقموعين وحبهم للارض واصرارهم على استعادة حقهم السليب.
الرأي العربي واهن مستجير يستنكر ويدين ويريح الضمير ليتسنى لهم الاستمتاع بامسيات عائلية هادئة التي قد تكون امام التلفاز الذي سيقدم لا محالة شيئا من المجازر كوليمة يومية دسمة . لا تنفعل أو تتفاعل . لعلهم يقولون انطعم من لو شاء الله اطعمه ، أو يقولون بالهذا الشعب الذي لا يموت . أو اف لهذا الشعب الا يموت ، ثم يديرون مؤشرات أجهزتهم ليبحثوا عن رقصة هنا واغنية هناك رحمة برؤوسهم التي تصدعت من تلك الضوضاء التي لا تنتهي ...
واشقاء هؤلاء الابطال الهاربين من مسؤولياتهم وتبعيتهم لذاك الشعب الشقي التعس ، بعد أن اكلت الأيام عليهم وشربت واترفوا نعمة وتخمة متمسكين بالحياة لا يرحمون ولا يدعون رحمة الله تنزل بالبلاد وبالعباد ، يقللون من شان ما يقوم به هؤلاء الشرفاء مدعين ان كل ما قيل ويقال مجرد كلام في كلام وانها طبخة سياسية لا تقدم ولا تؤخر فالقضية قد وئدت منذ زمن وترسم على وجوههم تعبيرات بائسة ساخطة فتنشر حولهم - رغم كل رفض يجابهون به - الكثير من الاحباط.
لعل لكل عذره في زمن لم يعد يحس الاخ بأخيه الشقيق : وفي زمن يستسخف التضحيات، ولم يعد يصدق الخوارق والاساطير كالذي يحصل هناك فرغم كل القيود وتعسف الاحتلال وجبروت من يدعمه رغم شظف العيش رغم حصارهم في مدنهم وشوارعهم واغلاقها عليهم لتصبح كالجحور رغم كل التربص من العدو والحذر ، نرى ونسمع عن استمرار انبثاق النور وسط الليل المخيف من يصدق ان الشباب في عمر الورد . ولدوا اثناء الاحتلال ونشاوا وسط الضغط والارهاب يترغون بأهازيجهم الملتهبة للارض التي يعشقونها ، بالروح بالدم نفديك يا فلسطين ويقرنون القول بالفعل الجسيم يقدمون أرواحهم الغضة على اكفهم منتظرين ، يحلمون ، بالغد القريب ، ولا يحلمون كاندادهم خارج الحدود باحدث الرقصات الامريكية المستوردة ولا بالسيارات الالمانية الفارهة - ولا قصات الشعور الاوروبية المبتكرة | والأزياء التي تنفي صفة الرجولة عن لابسها من يصدق صبايا جمالهن في ما تحمله صدورهن اليافعة من غضب السنين الموروث . يكحلن عيونهن بتحد عجيب . يحلمن بدورهن بتحطيم هيوء القهر ولا يحلمن كاترابهن بآخر صيحات الأزياء ، والمكياج والعطور حياهن الله - بجمال التصميم والتحدي حتى الموت ولا شيء بهم امام تلك الأمانة المنوطة بهن قضيتهن وحقهن السليب..
ويموت الشباب والصبايا وسط رعب تشبب له الولدان وقد يتمزقون ارباً وقد تذهب عيونهم ، شلا. ولا أحد يستطيع انتزاع نظرة التحدي والأمل والثقة بالله وبالحق بل تسجل العيون نظرة جديدة ساعة الموت نظرة الانتصار والشرف..
النساء هناك صانعات هذا البريق الأخاذ وهذا المجد المشرف من بحق حفيدات نسوة صدر الاسلام بنفس هذه السمات تقف النساء هناك تمارس دورها الفعال في مجابهة العدوان بأذرع قد تكون فارغة حتى من الحجر لكنها قوية تلوح بها بوجه المجندي الواقف امامها مذعوراً مدهوشاً يخفي وجهه خلف رشاشه ليحمي عينه من أظافرها.
شيء كالسحر كالمعجزة ما تفعلونه يا أهل الأرض المحتلة شيء كالخيال با اصحاب النخوة والقوة الوحيدون في ايامنا ، لا بل انها نفحة من روح الله فيكم لتعيدوا للأرض قداستها و تمحوا عارها . أنيط بكم أن تصحوا الضمير الميت في العالم بصرخاتكم العالية ها هنا ماساة انسانية بحاجة لعلاج عاجل وناجع لمزيداً من العنفوان ايها الشباب والصبايا لنتعرف على نوع جديد من الجمال ونوع فريد من الرجولة والمزيد المزيد ايتها الامهات الرائدات يامن نقد من فلذاتكن للأرض بابتسامة مشرقة وتشيعوهن بزغرودة تؤرق بال السجانين يا من تصفن لنا ابطالا يغنون ويعزفون بشجاعة نادرة صورة الملحمة الشعرية النضالية التي ما خطرت على خيال شاعر من شعراء الملاحم القديمة.